lundi 22 avril 2013



  
أحمد بن الجزّار
     كان أحمد بن الجزّار في زمن دراسته على غاية من الاجتهاد في البحث وحبّ الاطلاع والمواظبة.
   ولمّا آنس من نفسه حصوله على الملكة الكافية والدّربة المطلوبة فتح باب داره لمعالجة المرضى، وربّما كان ذلك بالإشارة من أبيه وبالإجازة من معلّميه.
   كما قد بنى عند باب داره محلاّ مستقلاّ لعيادة الزّائرين، واتّخذ فيه قسما خاصّا للصّيدلة أقعد فيه غلاما يسمّى "رشيقا" أعدّ بين يديه جميع الأدوية من معجونات وأشربة ومراهم وغير ذلك من المستحضرات، فإذا زاره المريض يفحصه مليّا ثمّ يصف له ما يناسبه من الأدوية ويكتب ذلك في ورقة يتحوّل بها المريض إلى "رشيق" فيعطيه الدّواء المشار به ويقبض الثّمن وكان أحمد يتفقّد في كلّ يوم قوارير الأدوية ويرى ما نقص منها ويخرج من داره إلى تابعه رشيق مقدار الأدوية النّاقصة. ويحاسب غلامه على ما قبض من ثمن الأدوية المباعة نزاهة بنفسه أن يأخذ من أحد شيئا.
   وكان له معروف كثير، وأدوية يفرّقها على الفقراء، واتّفقت كلمة من ترجم له أنّه كان قد أخذ لنفسه مأخذا عجيبا في سمته وهديه، وأنّه لم يُحفظ عنه مدّة حياته زلّة قطّ ولا أخلد إلى لذّة، وكان يشهد جنائز الفقراء ويحضر أعراسهم. ومن عادته أنّه كان ينهض في كلّ عام إلى المرابطة فيذهب إلى المنستير وهو الرّباط لمشهور فيكون هنالك طول أيّام القيظ ثمّ يعود منه إلى القيروان على ما جرت به عادة العلماء الزهّاد المتواضعين.
   وبالجملة فإنّ الأطبّاء التّونسيّين لم يرتابوا في تقدير علم ابن الجزّار وتعظيم قدره والانتفاع بفوائده الغزيرة.
  والواقع أنّ من يستعرض ما صنّفه ابن الجزّار من الكتب في المادّة الطّبيّة يتبيّن ما كان لهذا الفذّ النّابغ من الثّقافة الواسعة الأفق، ويكفيه مزيّة عن أبناء العربيّة أنّ مؤلّفاته الطّبيّة ـ لا سيّما زاد المسافر ـ حازت من العناية بها في القارّة الأوروبية ما جعلها تترجم إلى سائر الّلغات العلميّة المنتشرة فيها حينئذ وتتّخذ أصلا متينا للبحوث من لدن الأطبّاء الإفرنج في القرون الوسطى فقد ترجمت إلى اليونانيّة  واللاّتينيّة والعبريّة، وأخيرا إلى الفرنسيّة.
حسن حسني عبد الوهّاب
"ورقات" القسم الأوّل: 306 ـ 311

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire